ديجا فو déjà vu الملل



اليوم لا اكتب انا بنفسي شيء اليوم انقل مقاله عن الرائع دكتور احمد خالد توفيق عن مقالته في موقع بص و طل ولان الموضوع كما اشار هو ممل فلذلك اخترت ان تكون هذه التدوينه خاصه بما كتبه .
على كل حال فاليسمح لي الدكتور احمد خالد توفيق ان امكن و لا اعرف كيف سيسمح لي و لم يتلقى عرض بنشر مقالته في مدونتي و لكني اامل في هذا .. تعالوا نقرا ما كتب استاذي الدكتور احمد خالد توفيق ...

أذكر القارئ بأن (ديجا فو déjà vu) هو تعبير فرنسي معناه (شوهد بالفعل). وهو يستخدم للدلالة على تلك المواقف التي تمر فيها بحدث معين، فتشعر بأنك عشته من قبل.. هناك تفسير فسيولوجي محبط يقضي بأن الأمر يعود لتأخر وصول الدم لأحد الفصين الصدغيين في المخ عن الآخر، وهذا يضايق الناس؛ لأنهم يحبون أن يشعروا بأنهم مرهفون شفافون ذوو قدرات غيبية، وليسوا مجرد أشخاص لا تعمل دورتهم المخِّيَّة جيدًا.. هم أكبر من هذا..
أنا أعاني حالة عنيفة من ظاهرة (ديجا فو)، لكن المشكلة هي أنني عشت هذا فعلاً وجربته وتعذبت به ألف مرة.. حتى إنني أقترح مصطلحًا جديدًا هو (ديجا فيسو déjà vécu) أي (عِيشَ بالفعل)...
مثلاً أحداث غزة.. لقد عشت هذا الموقف مرارًا لا حصر لها من قبل. هناك تفاصيل حدثت حرفيًا عند بَدء الانتفاضة الثانية وعند اجتياح مخيم جنين.. نفس المظاهرات الغاضبة في العالم العربي وأوروبا، ونفس لا مبالاة الحكَّام وإيثارهم السلامة وقمعهم المظاهرات بقوات تكفي وحدها لتحرير فلسطين.. نفس الكلمات المؤثرة المقنعة فعلاً في الأمم المتحدة ثم يتداولون، فيرفع مندوب الولايات المتحدة يده بالـ"فيتو" ضد قرار الإدانة.. يقدم الفيتو وهو لا مبالٍ و"قرفان" ومشغول بأمور أهم. الرئيس الأمريكي يؤكد أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها.. دعوة لمؤتمر قمة عربي لا ينعقد أبدًا كأن الاجتماع وأكل الفنادق والنوم في (فور سيزونس) جهد شاق لا يتحمله أحد.. نفس الاتهامات لمصر حتى بلغ الأمر درجة حرق العلم المصري في الانتفاضة الثانية. نفس معركة (مصر خائنة متخاذلة – مصر قدمت الكثير من أجلكم يا ناكري الجميل)..
ذات جثث الأطفال المكفَّنة.. ذات القُبلة الأخيرة على الجبين قبل القبر يطبعها أبٌ باكٍ.. أنا متأكد من أن هذه الطفلة ماتت من قبل في جنين، وفي اجتياح جنوب لبنان عام 2006!.. ذات الملثَّم يتوعد إسرائيل أمام الكاميرا.. ذات الكلمات الباردة تقولها "مادلين أولبرايت" ثم "رايس" ثم "ليفني".. هناك دومًا امرأة شمطاء متنمرة "مش لاقية راجل يلمّها".. نفس المتحدثين في قناة "الجزيرة"، ومَن يؤكد أن العدو ارتكب غلطة عمره، ومَن يؤكد أن المقاومة ارتكبت غلطة عمرها.. الأول يتهم الثاني بأنه عميل ومِن المارينز الجدد، والثاني يتهم الأول بالحنجورية والعيش في عصر المعلقات.. ذات القلق واللوعة في أعماقك.. ذات الأمل الخافت في أن يتغير مسار المعركة.. معارك أم القصر في العراق وذعر الأمريكان والاستجواب لـ"رامسفيلد" في الكونجرس: هل أخذتنا إلى فيتنام أخرى يا أحمق؟.. البارجة الإسرائيلية تحترق أمام شواطئ بيروت.. حماس تَعِد بمزيد من المفاجآت.. ثم ينقشع الضباب فتكتشف أن كل شيء قد ضاع كما في العراق، أو تكتشف أن "حزب الله" كان أذكى مما تصورنا كما في حرب 2006.. لم يتضح الأمر مع حماس بعد.. لماذا يتكرر كل شيء؟.. لأننا ما زلنا نحن.. ولأنهم ما زالوا هم.. لم يتغير أي طرف..
تعالَ معي نبتعد عن غزة قليلاً.. تعالَ إلى شارع الهرم؛ لتعيش تجربة أخرى رأيتها ألف مرة.. شقة مفروشة إيجارها ألفا جنيه في الشهر.. أربعة أجهزة كمبيوتر.. برنامج جرافيكس.. شباب من خريجي كلية الفنون الجميلة، وخمس دقائق من الرسوم المتحركة تظهر (علي بابا) أو (جحا) وهو يلوِّح بيده ويقول كلامًا لا تسمعه؛ لأن الصوت لم يُضَفْ بعد.. مخرج متحمس ينوي صناعة حلقة Pilot لتسويق هذا الفيلم في دبي.. ثم لا نرى أي شيء أبدًا، وتختفي هذه الشركة ويختفي هؤلاء الشباب.. "ديجا فو" أعتقد أنني زرت ذات الشقة مائة مرة.. فقط كانت الوجوه تختلف في كل مرة..
بنفس الظروف تقريبًا رأيت مائة مجلة أو جريدة شبابية تصدر وتموت بعد عددين.. نفس الوجوه.. نفس الأفكار.. نفس الكلمات.. مثقفو وسط البلد بالقلنسوة الصوفية على طريقة (إيمينم) والجربندية والجينز، يكتبون لعدة أماكن لابد أن من بينها الدستور و"بص وطل".. بعضهم معدٍّ في إحدى القنوات الفضائية.. بطلهم العالمي هو "جيفارا" وبطلهم المحلي هو "منير" و "أحمد فؤاد نجم"و الجلسة في مقاهي وسط البلد وتدخين الشيشة بنَهم والنكات البذيئة والثورة على كل شيء.. عالم المدونات ونقابة الصحفيين والفشل في الحصول على كارنيه.. بعضهم يكتب الرواية الأولى التي لا يستطيع نشرها والتي يتباين موضوعها، لكن الحشيش يلعب فيها دورًا مهمًا جدًا.. هناك خلطة محكمة معروفة مقاديرها ولا تفشل أبدًا: ثورة - تجديف - جنس - يأس - حشيش.. تتغير الأسماء لكن الوجوه والثياب والأفكار هي هي..
كم مرة جلست فيها مع ذلك المخرج الشاب المتحمس الذي درس بالخارج، والذي يريد أن يقدم أول أفلامه معي؟.. أقول له إنه لابد أن يجد منتجًا قبل أن يبدأ، فيؤكد في ثقة أنه يعرف ما يفعله، معه سوف تختلف الأمور. كم مرة طوَّرنا فيها فكرة ما وكتبنا لها معالجات، وكتبنا السيناريو؟.. ثم تبدأ المراحل التي أعرفها جيدًا.. ملاحقته لي؛ لأن الوقت ضيق.. ثم الفتور.. ليس العثور على منتج سهلاً.. ثم قلة الحماس.. فالاختفاء.. ثم عدم الرد على مكالماتي.. للمرة الألف تعرف أن المنتج هو كل شيء بينما المخرج (غلبان مثلنا) لا يملك من أمره شيئاً..
خذ عندك كذلك فرق مسارح الأقاليم والثقافة الجماهيرية.. المخرج المتحمس الذي يريد أن يقدم نصًا شهيرًا، لكنه يضحك في خبث؛ لأنه سيدس فيه رموزًا وإسقاطات لا تنتهي.. سوف يشتم الحكومة دون أن تدرك ذلك.. يشعر بأنه يقود ثورة.. المصري هو ابن البلد أو القهوجي ومصر هي الفلاحة الأصيلة.. الحاكم الظالم هو العمدة أو صاحب العمارة أو الغول.. لا بأس بأغنية للشيخ "إمام" هنا أو تقليد ساخر خبيث للحاكم هناك، أو أن يهتف الناس في مسرحية (ماكبث): بالروح.. بالدم.. نفديك يا "ماكبث".. هذا إسقاط جبَّار.. إسقاط عبقري.. الثورة قادمة..
البروفات والصراخ المجنون في الممثلين، والمسرح المترب و"الخيش" الذي يتدلى من السقف.. نفس الميزانسين.. الممثل الذي يجري من عمق الكواليس إلى منتصف المسرح؛ ليصرخ منفعلاً أكثر من اللازم، فلا تفهم حرفًا مما يقول، ثم يسقط على ركبتيه ليصفق الناس.. الأصوات المبحوحة من الصراخ. رأيت هذا ألف مرة، وفي النهاية ترى المسرحية وقد جلس في القاعة المخبرون ورجال الأمن المركزي الذين هم الجمهور الوحيد، والذين اكتسبوا ثقافة مسرحية جديرة بأستاذ في السوربون.. تنتهي المسرحية فلا تحدث ثورة ولا يذكرها أحد..
أمثلة الـ"ديجا فو" كثيرة جدًا.. جدًا.. ولو أحصيت الأمثلة لاحتجت إلى عشرين مقالاً آخر. لا أعرف السبب فعلاً.. هل الحياة تكرر نفسها بهذا الشكل الممل؟.. أم أنني عشت أكثر من اللازم؟..انتهى المقال، ومن جديد يغمرني الشك بأنني قلت هذا الكلام من قبل في مكان ما!.. هل يمكنك أن تذكّرني من فضلك؟..

Islam Abou Bakr's Facebook profile

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا نخاف من الله، هل الله مخيف؟!

الله لا يمكن أن يغير قوله لما يعتقدون بأنه يمكن

مسرحية الشيطان الهزلية المشهد الثاني ( ملائكة و شياطين ) الأفلام