الله لا يمكن أن يغير قوله لما يعتقدون بأنه يمكن

من رأس الموضوع سأكتب و أُفكر معكم طارحاً ما أثمرت به قرائتي و مشاهدتي و تحليلي في هذا الموضوع ألا و هو الناسخ و المنسوخ.
لمن لا يعلم عن الناسخ و المنسوخ هو الزعم بأن الله أصدر حكماً في كتابه ثم بدلالة ثلاث أيات أو إثنتين على الخصوص يقوم الله نفسه بمحو تلك الأحكام أو الأيات و الأتيان ببدائل لها أنسب أو خيراً منها ( رفع حكمه و بقى نصه و العكس )

وجدت أن في تلك النظرة لكتاب الله جل و علا شيئاً ما خطأ لست وحدي صاحب تلك النظرة بل هناك من قابلتهم و قالوا لي ذلك و جلسنا نتكلم عنها و نفتح في أفاقها أيات و نغلق أحاديث و ننتهي لنتيجة أن لا ناسخ ولا منسوخ في القرآن حتى أني منذ شهر تقريباً ذهبت للمتجر الكبير فوجدت في مكتبته كتاباً بعنوان لا نسخ في القرآن بقلم حسام رشدي الغالي فإبتعته في الحال إلا أني مرجيء قراءته الأن حيث وقته لم يحن بعد من الدراسات التي أسجلها في جدولي أيضاً من منكم من تابع المهندس عدنان الرفاعي شهر رمضان السالف و قد تطرق لهذا الموضوع على أكثر من حلقة .

الإستشهاد بأن القرأن يحوي الناسخ و المنسوخ يتكيء على نظرتين .. الأولى من القرأن ذاته بدعوى أيتين أو أيه تبيح هذا القصد و من بعد يتم التفصيل بأيات الناسخ و المنسوخ فيما بين الأيات و بعضها فعندك أيات نسخ الخمر و أيات السبي و المواريث و حد القصاص ( هذه المقالة مخصصة لرأس الموضوع و ليس تفاصيله، في حين سيتم سرد الأيات بالتفاصيل إما في التعليقات أو في مقال منفصل )

النظرة الثانية و هي أن الله قادر على كل شيء و لما لا لأن من ينسخ هو الله و ليس نحن

سأجيب على هذين النظرتين بالترتيب و قبلاً دعوني أذكر قوله تعالى جل و علا
(أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا) (النساء 82)
أفلا صيغة سؤال إستنفاري لما على غير الواقع و هو عدم التدبر فيقول الله أفلا يتدبرون أي أن الواقع عدم التدبر فيأتي الإستفهام ناكراً الواقع بدعوى الحث على التدبر ثم يوزن هذا السؤال بمقياس و هو أن إذا تدبروه فلن يجدوا فيه إختلاف ثم يزيد على هذا قولاً بأن لو كان من عند غير الله لوجودا فيه إختلافاً كثيراً و الكلام هنا موجه إلى الذين لا يتدبرون حيث المعادلة تكون هكذا
الذين يتدبرون لا يجدوا به إختلاف و الذين لا يتدبرون و هم محل الأيه سيجدوا به إختلاف لعدم تدبرهم المعنى العميق للنص القرأني

و يقول الله تعالى في موضع أخر
"مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ" [قّ:29]،
تناسقاً و توازياً مع الأيه السابقة بأن قول الله لا يتبدل و لنقف عند هذه الأيه وقفة مهمة، إذ أن يقول الله جل و علا أن لا يبدل القول لديه أي أن قول الله لا يبدل ولا يتبدل فلما لم تكن الأيه على هذا الشكل " ما يبدل الكلام لدي و ما أنا بظلام للعبيد "

في الحقيقة إنه هناك فرقاً بين قول الله و كلام الله لغوياً و دليلاً فكلام الله مثلاً في هذا الموضع
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وكيلاً(171)) النساء.
فمثلاً نحن نعلم أن المسيح عيسى كان كل ما يتكلم به و يفعله هو إنجيل لذلك يأتي لفظ كلمة الله على أنه على لسان أحد الأنبياء كما في حال سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم و نحن معشر المسلمين نعلم بما تم تحريفه في الإنجيل الأن فالكلمة تحرف لأن الله لم يتعهد بحفظها كما الحال في القول و القول هنا صيغة و لفظ مباشر في أنه من عند الله حمله الوحي مباشرة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم و تعهد الله بحفظها فقال " إنا نحن أنزلنا الذكر و إنا له لحافظون " و تأتي أيضاً كلمة أنزلنا مع القرأن و مع لفظ القول و يأتي لفظ كلمة و لفظ نزلنا مع الكتب او الشرائع قبل القرأن و لذلك دلالة و حكمة أيضاً إذن وجب علينا الوقوف عند دلالات البلاغة و الإصطفاء القرأني للمعاني في أن نتدبرها جسن التدبر فإيما أتى لفظ قول الله فهو لن يتغير .

الأن إلى المنظور الأول و هو الإستشهاد بأيه { ما ننسخ من آية أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلها } (البقرة:106) .
و لكن تعال معي قبل الأية 106 إلى الأيه 105 لنتدبرهما معاً

يقول تعالى جل و علا
ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ - البقرة 105

يصيغ الله الحديث موجهاً إلى معشر المؤمنين بأن الذين كفروا من أهل الكتاب و هم من حرفوا شريعتهم و أن المشركين الذين يودون بأعرافهم أن تسود بأن ينزل خيراً عليكم من ربكم أي معشر المؤمنين، فالأيه هنا تعطينا نوعين من العداء للمسلمين و هو من اليهود و النصارى الذين وجدوا بنسخ شريعتهم في شريعة الإسلام الجامعة و نكروها بأن لما الإتيان بشريعة أخرى إذ أن الأولى موجودة بالفعل فهم يكرهون أن ينزل الخير خصوصاً إذا حملت شريعة المسلمين من نسخ لبعض أحكام التوراه و الإنجيل و في الموضع الاخر يذكر المشركين فهم أيضاً لا يودون هذا حيث أن أعرافهم القبلية هي شريعتهم فما إن نسخت بشريعة الإسلام هاجوا عليها كما في حال منع الإسلام للسبي و الخمر و منعه زواج إمرأة الأب ... فالمعنى هنا واضح بأن لن يضير مشرك أو كافراً من أهل الكتاب أن أقول له أنظر عندي في كتابي (القرأن) ايات تنسخ ايات و لكن حكمة القرأن و النص المعجز هنا يخصص مسألة النسخ في أنها تخص الشرائع و الاعراف السابقة و ليست لها علاقة بشريعتنا الإسلامية مطلقاً و بعدها يكمل الله هذا التخصيص بقوله
{ ما ننسخ من آية أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلها } (البقرة:106) .
و هذه الأيه للتخصيص بما حملته الأيه السابقة و لنتدبرها معاً
قال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( ما ننسخ من آية ) ما نبدل من آية .
وقال ابن جريج ، عن مجاهد : ( ما ننسخ من آية ) أي : ما نمح من آية .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( ما ننسخ من آية ) قال : نثبت خطها ونبدل حكمها . حدث به عن أصحاب عبد الله بن مسعود .
فالنسخ هنا معناه المحو أو التبديل و هو ما يحمله معنى الايه السابقة 105 البقرة فيأتي الله بأفضل منها أو مثلها في الشريعة و هذا دليل على إكتمال الشرائع المؤقتة كشريعة بني إسرائل إلى نضجها بإتباعها للشريعة الكاملة و هي شريعة الإسلام و لكنهم لا يودون ذلك

و يقول تعالى جل و علا
ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير
و هنا وقفة مهمة جداً، عملت منذ فترة في الصالون الثاني لكلام ممنوع على سرد موضوع حول الروح و قلت فيه بأن هناك عالمان هما عالم الأمر و عالم الخلق مصداقاً لقوله جل و علا ( ألا له الخلق و الأمر ) و أن كل عالم من تلك العوالم يأتي بخصائص ينفرد بها عن الأخر فعالم الخلق ينتمي إلى الزمان و المكان و يحدانه و عالم الأمر لا يحده زمان أو مكان و ينتمي إليه قول الله و روح الله و القرأن هو قول الله فهو ينتمي لعالم الأمر و لذلك لا تطبق عليه قوانين الزمان او المكان و قد فردت تفصيلاً عن المشيئة و الإرادة و أن الإرادة تنتمي لعالم الأمر و المشيئة لعالم الخلق و هناك فرقاً بين إرادة الإنسان و إرادة الله و كذلك في المشيئة و إذا قمنا بجمع أطراف المعادلة نجد أن القرأن هو ( قول الله الذي ينتمي لعالم الأمر فلا تُعمل عليه قوانين الزمان و المكان و هو ليس بشيء بل هو إرادة إلهية بدليل إرادة الله في حفظة و من ثم تسبيب الأسباب و الأشياء لفرض ممهدات حفظة ) و حين نسمع قوله تعالى ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير فالكلام هنا موجهاً إلى أن المتعامل معه شيء و ينتمي للشيئية أي لعالم الخلق أي أنه ليس بقول الله بل أنه كلام الله أي أن كلام الله لابد له من وسيط و نزل أي تم تبسيطه بغير القرأن الذي هو ليس بشيء و هو تم إنزاله أي بقول الله مباشرة و لم يتم إعادة صياغته بدليل قوله تعالى جل و علا " إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً " فهو النص المتفرد الفريد الذي حوى الله فيه شريعة لا تتزمن ولا يحدها مكان ولا تتبدل أيتها .

الأية الثانية
كلمة تبديل هنا تعني أن الأيه التي تم إبداله هي في الأصل مُتضمَنه في النص و لكن تم تبديلها و ما يخبرنا عن هذه الأيات إلا تضارب أراء المُفسرين بأقوال بأن ما نسخ هنا هو منسوخ هناك كما ان المنسوخ عند احدهم هو ناسخ عند الأخر ولا يوجد قاعدة غير أن نقول طالما جيء بقول ناسخ و منسوخ لابد أن نعلم بأن هناك فهم خاطيء للنص القرآني لأن الله لا يبدل قوله و في تلك الأية التبديل لا يعني النسخ أن الأيه التي تم إبدالها هي فقط نقلت إلى موضع أخر غير ما يذهبون إليه من نسخ و هو محو الأيه التي تم نسخها فالأيه هنا لا تعني الأيه القرأنية بل الأيه الكونية متضمنه العذاب الذي سيلحق بهم لإفترائهم على الرسول بأنه يعمل اليوم بحكم ينسخه غداً، إن هذا القانون يظهر في عهد كل نبي، حيث يتلقى وحيًا إنذاريًا مشروطًا، وقد يبدل اللّه هذا الوحي الإنذاري المشروط، كما حصل ذلك في قصة يونس عليه السلام، فبعد أن أخبر اللّه يونسَ -عليه السلام- أنَّ قومه سيهلكون، بدَّل اللّه ذلك لأنَّـهم قد تابوا

النظرة الثانية و هي أن الله قادر على كل شيء و لما لا لأن من ينسخ هو الله و ليس نحن

نعم الله قادر على كل شيء و لكن لما نحمل النص بما ليس فيه ولا يتحمله بدعوى أن الله قادر على كل شيء و ننصب أنفسنا واصيين على كتاب الله تعالى نمحوا و نعدل فيه ما نشاء هذه الفئة قد إجتهدت و لكن إجتهادها ليس بمحلة إذ لبس عليهم أمرهم بأن الله يغير أحكامة بدعوى ما يناسب زمن معين تناسوا بأن شريعة الله مناسبة لكل زمان و مكان و عصر و أوان و لا يوجد حاكم في الأصل لقضية الناسخ و المنسوخ لأن كما أسلف الذكر بأن كل ما هو ناسخ هنا هو منسوخ هناك و يلتبس الأمر في كثير من الأحيان عليهم لذلك وجب قول الحق بما أنه ليس من الداعي إذا عجزنا عن أن نفهم أية نركض ناحية نسخها كما مثلا في أية
ألإننا وجدنا كلمة سكراً فهذه إذن إحدى مراحل النسخ فما قال الله بأن نتخذه أو لنتخذه بل رصد الله واقعاً يتم فِعله كما قال
الطيبيين للطيبات و الخبيثين للخبيثات فما قال مثلا بوجوب تزويج الطيبيين للطيبات بل رصد حكمة إن شئنا أخناها أو لا نأخذها و لكنه رصد ما يجب أن نكون عليه ثم إنه في المقابل وضع سكراً أمام رزقاً حسناً و نعت الثانية بالحسن و نكر الأولى

حقاً ونعم بالله حين قال "
يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ"

تحياتي
إسلام أيو يكر
15 / 5 / 2011

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا نخاف من الله، هل الله مخيف؟!

مسرحية الشيطان الهزلية المشهد الثاني ( ملائكة و شياطين ) الأفلام