لقد رأى الله دمعتي


أشعر بالندم يا الهي حتى نخاع العظم من اني ذكرت سواك بالأمس و هتفت بغير اسمك و طافت بخاطري كلمات غير كلماتك.
سمحت لنفسي ان اكن مرآة سراب و مستعمرة للأشباح.
جهلت مقامي و نزلت عن رتبتي و ترجلت عن فرسي الأصيلة لأركب توافه الأمور و لأمشي مع السوقة و أزحف على بطني مع دود الأرض.
خدعني شيطاني و استدرجني إلى مسرح العرائس الذي يديره و إلى تماثيل الطين و الزجاج و الحلى المزيفة.
استدرجني إلى بيوت القماش و قصور الورق و قدمني إلى ناس يبتسمون للمصلحة و يحبون للشهوة و يقتلون للطمع و يتزاوجون للتآمر .. رجال وجوههم ملساء مدهونة و نظراتهم خائنة و لمساتهم ثعبانية و نساء تغطيهن المساحيق فلا تبدو ألوانهن الحقيقية و بشرتهن مشدودة و وجوههن مكوية و خطواتهن حربائية و أيديهن تتسلل إلى القلوب يسرقن كل شيء حتى الحقائق.
عالم جذاب كذاب يضوع بالعطور و يبرق بالكلمات .. عالم لزج معسول تغوص فيه الارجل كما يغوص النمل في العسل حتى يختنق بحلاوته و يموت بلزوجته.
و الأصوات في هذا العالم كلها هامسة مبللة بالشهوة تتسلل إلى ما تحت الجلد و تخترق الضمائر و تأكل الإيمان من الجذور.
تذكرتك يا رب و انا أمشي في هذا العالم فشعرت بالغربة و الانفصال و لم اجد احداً أكلمه و يكلمني و افهمه و يفهمني.. نبذوني كلهم كما نبذتهم و رفضتهم .. و احسست بنفسي وحيداً غريباً مطروداً .. ملقى على رصيف أبكي كطفل يتيم بلا أم.
و سمعت في قلبي صراخاً يناديك.
كانت كل خلية في بدني تتوب و تئوب و ترجع و سمعتك تقول في حنان .. لبيك عبدي ..
و رأيت يدك التي ليس كمثلها شيء تلتقطني و تخرجني من نفسي الى نفسك
و اختفى ديكور القماش و الورق و ذاب مسرح الخدع الضوئية.
و عاد اللاشيء إلى اللاشيء.
و عدت انا اليك
سبحانك لا إله إلا أنت.
ولا موجود سواك
القرب منك يضيف
و البعد عنك يسلب لأنك وحدك الإيجاب المطلق
و كل ما سواك سلب مطلق.
علمت ذلك بالمكابدة و أدركته بالمعاناة و عرفته بالدم و العرق و الدموع و مشوار الخطايا و الذنوب و انا اقع في الحفر و أتعثر في الفخاخ .. و كلما وقعت في حفرة شعرت بيدك تخرجني بلطف و كلما أطبق علي فخ رأيتك تفتح لي سبيلاً للنجاة ..
و كلما وضعوني في الاغلال و احكموا علي الوثاق شعرت بك في الوحدة و الظلمة تفك عني اغلالي و تربت على كتفي في حنان و إلهامك يهمس في خاطري .. أما كفاك ما عانيت يا عبدي .
أما اتعظت .. أما اعتبرت .. أما جاء اليوم الذي تثبت فيه قدمك و تستقر خطاك على الطريق .
فأقول باكياً.
سبحانك يا رب و هل هناك تثبيت إلا بك و هل هناك تمكين إلا بإذنك.
أنت وحدك الذي أصلحت الصالحين و ثبت الثابتين و مكنت أهل التمكين.
تعطيني لحكمة و تمنع لحكمة ولا تُسأل عما تفعل.
شفيعي إليك صديقي
و عذري إليك حبي للحق.
و ذريعتي إلى عفوك رغبتي في الخير.
فمن خطيئاتي نبتت الحكمة و كما تنمو أزهار الياسمين من الأرض السبخة.
و من دموع ندمي علمت الناس فصدقوني حينما كلمتهم لأنه رأوا كلماتي مغموسة بدمي.
و من عثراتي و سقطاتي أضأت مصباحاً هادياً يجنب الناس العثرات.
و كل من عبر طريقي قلت له كلمة صدق و دللته على السلامة.
رب ما أتيت الذنوب جرأة مني عليك ولا تطاولاً على أمرك و إنما ضعفاً و قصوراً حينما غلبني ترابي و غلبتني طينتي و غشيتني ظلمتي.
إنما أتيت ما سبق في علمك و ما سطرته في كتابك و ما قضى به عدلك.
رب لا أشكو و لكن أرجو.
أرجو رحمتك التي وسعت كل شيء أن تسعني.
و أنت الذي وسع كرسيك السماوات و الأرض.

مسرح العرائس
هل هو عصر الجنون ؟
الدكتور مصطفى محمود.
Islam Abou Bakr's Facebook profile

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا نخاف من الله، هل الله مخيف؟!

الله لا يمكن أن يغير قوله لما يعتقدون بأنه يمكن

مسرحية الشيطان الهزلية المشهد الثاني ( ملائكة و شياطين ) الأفلام