انا الموجود ولا موجود سواي


رويداً رويداً تدغدغ ثنايا ذكرياتي بعض ارهاصات الماضي من حيناً لأخر، ماضي عن طفولة كنت احسبها فريدة متفردة .. حيث كنت اقرأ الكلمات العربية من اليسار إلى اليمين و أقرأ المواضيع و السطور من الاسفل للاعلى و الوك اشكال الغبار على الحائط في تلذذ شاعري في المساء الشتوي تحت اللحاف العبق برائحة النعاس، اشكالا قد ارتسمت على الحائط و فيه صورة الفاكهة امامي و التي لم يخلو بيتاً منها في فترة اوائل التسعينات
فهناك الوحش و الجميلة و شخصيات عالم الكارتون المختلفة حتى انه كان في بيتنا يوسف داود و سوزان مبارك !

انه الشعور بالامان حين يحملك والدك بين ذراعيه في طريق العودة الى المنزل حيث لا تفيق الا عند النزول من الاتوبيس العام حين يحملك و تفيق مره اخرى تحت اللحاف المميز مودعاً العالم الجميل لصباح أجمل

غداً يكون الروتين يبدأ بإذاعة الشرق الاوسط و دخول الحمام و ارتداء المريلة المحببة للنفس و القاء نظرة على برنامج صباح الخير يا مصر الساعة السابعة صباحاً و دائما ما نسمع قنديل يغني يا حلو صبح يا حلو طل ..

البنت الصغيرة التي كانت تستقل امامي الباص الذي يقلنا الى المدرسة كانت تشبه فاتن حمامه حتى ان الاغنيه كانت ترقص في اذني حين اراها مرة ثانية ..

الطابور و تحية العلم و ميس سعاد المرعبة التي احببتها فيما بعد و اعتدت زيارتها و مستر عابد الابهه ذو العظمة الي مفيش زيها ..

البيت جميل ليلاً ... تجليد الكراريس و نسيان اي لون لاي مادة ... بلح الامهات، كان البائع ينادي به غير ان مخارج الحروف عنده لم تكن ابدا تنادي على بضاعته فهو يخيل لي انه كان يتقيء او شيئاً من هذا القبيل ...

رفعت اسماعيل نتاج خيال المبدع احمد خالد توفيق و انيس منصور علماني ان اقرأ و اكتب .. كتبت اول قصة و انا في الصف الخامس الابتدائي مقتبسه من كتاب ارواح و اشباح لانيس منصور ...

من فرط ولعي بأفلام الرعب و ثلاثية سام ريام موت الشيطان لقبت بدراكيولا المدرسة رغم ان طفولتي كانت اقل من البريئة فلم يضربني ابدا مدرساً على شغبي و لم يكتب حرف من اسمي على السابورة كإنظار لانتظار العقاب حين يقف امين الفصل في غياب المدرس .

الايام تتكرر تمر ضوئاً يضنيني شجناً و رغبتة في ايام الطفولة .

اعتقدت و انا طفل ان العالم قد خلق من اجلي انا و ان كل الاطفال و المدرسه و المدارس و المدرسين و حتى ابي و امي ليس الا ممثلين في مسرحية متقنة مصنوعة لي وحدي

انا الحقيقي و كل من حولي اوهام، انا المخلوق المتفرد المنفرد الذي قد خلق كل من حوله لإسعادة و لحبك المسرحية فقط ليس الا

راهنت على هذا كثيراً حتى بلغت الصف الثالث الاعدادي و نبغت في الرسم و النحت و التشكيل حتى قالوا لي ذات مره اتصنع اصناماً فأرتعبت رجفاً و خوفاً و كسرت بيدي تماثيلي التي صنعتها من الجبس المصبوب الذي كان لين في يدي الصغيرة حينها.

لم اعد انحت و لم اعد ارسم ، تقوقعت على القراءة و الكتابة

حينها ايقنت اني موجود من ضمن الموجودات و ان اعتقادي بان لا هناك موجود سواي كانت ارهاصات الطفولة التي لم اشارك بتخيلاتها احدا اللهم الا ابي الذي شاركني بعضها و بحكم سفره الدائم لم يكن غيره بديل فكان اغلبهم يصدونني اذكر ذات يوماً كنت معزوما و انا طفل في الخامسة من الصف الابتدائي و كان يشغلني جدا موضوع عدم وجود اكسجين على كوكب المريخ و كيف انه لابد من استغلال هذا الكوكب الاحمر الساحر فلكم تمنيت المستقبل عليه .

و كان هناك احدهم جالساً، فرغنا من وجبة الغداء و اخذت بدون تقديم ادلي بدلوي العلمي الفذ كطفل وما لاقيته الا انه صدني في عنف

لم اكن اعرفه هذا الرجل، لم يكن قريبي، لم يكن ابي، لم يكن الا انه كان موجود فقط
جرح شيء بداخلي رغم ان البعض سيرى هذا الموقف عادياً
حينها استعجبت
حتى جائني اليقين فيما بعد

ان الموجود الاوحد
لا يعارضه احد فوق ارادتة و مشيئته

اؤنبئكم عما كانت طفولتي؟

لم اكن العب الا الصلصال
لم اكن اخرج الا زائراً للمقابر
لم يكن لي اقراناً الا انا
موسيقاي هو ناي تتر العلم و الايمان
انتشي لكل يوم اثنين الساعه التاسعه و النصف مسائاً
مولع انا بالذي عكس غيري

لم اكن ارى التفاحة تفاحة
ولا البرتقالة برتقالة

كنت دائم التساؤل
كنت دائم البساطة و عدم التكلف

حين احببت لاول مرة احببت رسمتي على الورق
اختط بنتاً شقراء الملامح غذبة الطلعة نامش خدها رقيق جسدها كانه مصنوع من عاج ابيض املس
رحيمة بالعالم و العالم رحيم بها، هادئة الطباع ملهمة لمثلي

لم احب من بعد الا بعد ان تجسدت و صارت زوجتي
و صارت لها ضرة و هي - الفلسفة .

وجدت احمد متولي اول صديق لي في الطفولة و ابي الذي احتوى موهبتي و امي التي اغرقتني حنانا و اختي التي اعتنت بي و زوجتي التي تحملت عني و رفعت اسماعيل العجوز الثرثار و مصطفى محمود شيخي الجيليل و رجلا كان كما ابي و خانني و ارتحل الى ارض الشهوة و انيس منصور المتمرد و احمد حلمي الذكي و ميس سعاد المرعبة و مستر عابد الابهه و بائع البلح الامهات و عمر خيرت دامع عيناي و اخيراً الفيس بوك :)

انا لست موجوداً لاني افكر فقط
انا موجودا لانكم انتم بدوركم موجودن

اسردت لحظات من حياتي لاثبت لنفسي لا شيء !

قال: د. يحيى الرخاوي فيما قد كتب من مقالة اليوم في يوم ابداعه الشخصي هذه المقولة و قد توافقت تماما مع ما كتبته بعد ان كتبته
"إن إطالة الحديث عن الأسباب والظروف التى مرت بجنابكم، كفرد ملكوتى، قد يزيد من وحدتك وانفصالك عن جوهر المشاركة العامة بالبشر، وبعدهم"

___________________________________

مقالاتي الاتية عن الحج و الروح و الشيطان و ابليس و النقاب و ملكات اليمين و الناس و المنسوخ
هذه المقاله حالة و ليست فلسفة

تحياتي
إسلام أبو بكر
19 / 4/ 2010

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا نخاف من الله، هل الله مخيف؟!

الله لا يمكن أن يغير قوله لما يعتقدون بأنه يمكن

مسرحية الشيطان الهزلية المشهد الثاني ( ملائكة و شياطين ) الأفلام