الشيخ محمد


طفل صغير كنت و كان هو شاباً يافعاً، كنت انا طفولي اللباس مهرجل و كان هو ابيض لباسه مهندم، كنت املس الخد ناعم لا من زغب و كان هو طويل اللحية السوداء قصير الشارب.

لأن اباه كان حبيبي و بات في قلبي قصدا مقصدا للحنان و السؤال .. ما كان من حلم الا فسره لي اكاد اتذكر حلم اخرجه الان عنوة من ثنايا ذكرياتي كان مؤلم حقير مرعب لطفل في الصف الخامس الابتدائي و حتى انه مرعب لي الان لن اذكره لاني اكرهه هذا الحلم و ابغضه شديد البغض .. وجدتني يومها ذاهب إليه دامع العينين محمر الوجنتين مرتجف الجسد الصغير مسترسلاً في سرد الكابوس المرعب .. حينها كشف عن فيه الفارغ من الاسنان الا بعضها في الصفوف الامامية باهجا اياي بضحكة حنونة حانية و عيناه كما تقولان يا للولد المسكين و اخذ يفسره عكس ما جاء من احداث الكابوس تماما - اشرق وجهي و صرت اؤمن بهذه النبوءة من هذا الشيخ الطاعن في السن - كان اسمه الشيخ جمعة و مهنته مؤذن مسجد و خياطاً ( و كان زميل جدي في مهنة الخياطة و للعلم كان هو و جدي من المتجسسين على الانجليز ايام الحركة التحريرية، لانهم كانوا يفصلون ملابس الالنجليز وقتها )

كان له ولداً لم اعرف غيره للشيخ الخياط ولداً او بنتاً، كان هذا الشاب اسمه محمد، كان النظر في وجهه يملأ نفسي سلاماً تعلمت عنه العبادة و الصلاة و الصوم هو اول من حفظني القرأن حينها أكلفني بحفظ سورة النصر و من يومها حفظتها كان هذا قبل ثلاث سنوات قبل ان ينقلب الحال و ينخلع الشاب عن مسجد ابيه و يرحل في وجدانه الخاص ( ماذا حدث لك يا محمد، ماذا حدث معك و مع الشيخ جمعة ذو الوجهه البشوش )

استقل ليعتكف مسجداً اخراً ولا تطأ قدماه المسجد الذي كان ابيه يعمل مؤذنا فيه - هو اول من علمه و ادخله المسجد و ثبته و لكن لصغر سني حينها لم استطيع حل هذا اللغز و الذي اتلف تروس عقلي الصغيرة ( ماذا حدث بين الشاب و ابيه ؟ )

مات الرجل بعدها، كان الاسبوع السالف لموته يحيك لي معطفاً قد انقطع بسبب اللعب و الشد و الجذب، وجدتني لا اصدق .. الن اراه بعد جالسا على الصخرة كل صباح و نحن نذهب لنستقل انا و اختي حافلة المدرسة ؟!

لم استطع تخيل هذا ؟
لم استطع ابداً

يومها ذهبت الى البيت و ارتميت على سريري ابكي و احضن المعطف الذي حاكه لي منذ اسبوع فقط، يداه كانت هنا يا ابي ! اين يداه الان ؟

من بعدها تزوج الشيخ محمد، لم ارى زوجته لانها كانت منتقبة كانت لا تمشي الى جواره، بل كانت خلفه دائماً!
رزقه الله ببنتاً، البسها الحجاب و هي لم تبلغ الرشد او الحيض او حتى السنه الرابعة من عمرها الصغير كليا كلياً

يوماً ما رأيته ينهر زوجته في وسط الشارع و ردها كان الذي لا حول ولا قوة ..

الغريب في الامر انه لم يكن غليظاً متشدد عنيفاً في القول و الردود بل كان ليناً حتى النصح الجميل الرطب يخرج منه لما كان من اذى في وسط الطريق

احبك يا شيخ محمد رغم اني لم اراك منذ سنين و لكني مازلت لا افهم تناقضك، كان الاولى ان احبك من بيتك حتى احبك من تصرفاتك و خلقك مع الناس في الشارع
كان الاولى ان اراك باراً بابيك و لعلي مخطيء و لكني هكذا لاحظت، كان الاولى ان تعامل زوجتك ليس كما حُرفت تعاليم الاسلام كان الاولى ان تبلغ ابنتك المحيض ليس قبل ذلك تلبسها الحجاب

ليتني التقي بك قريباً
اتذكر كل هذا و كنت حينها ابناً لعشرة اعوام و اقل و كانت ذاكرتي حينها اقوى و اصمد من وتد الجبل ..

كنت اراك حينها مثالا لشاب مسلم كما الاسلام على حق
و لكن بعض التصرفات كانت تحيرني فانت كنت اول من شككني في بعض الامور
انكمشت على نفسي بعد ملاحظتك و عدم مواجهتك لاستحيائي من السؤال.

فوجدتك مثل كثيرين فهمتوا بعض الامور على النحو الخطأ ..
أفسدت السلفية المدعاة عقول الشباب و جعلتهم متحجرين الفكر و الفهم

ولا اقصد بذلك المنهج السلفي فلازلت حتى الان اعتقد بانه اسطورة
اسف اذا صدم احد من كلامي

كان هذا فيضا عصف بي كي ادلوا به اليكم كي نعيد التفكير فيما ننتهج من بعض الامور البعيده عن الدين كالنقاب مثلا ....
و للحديث بقية

تحياتي
إسلام أبو بكر
28 / 4 / 2010

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا نخاف من الله، هل الله مخيف؟!

الله لا يمكن أن يغير قوله لما يعتقدون بأنه يمكن

مسرحية الشيطان الهزلية المشهد الثاني ( ملائكة و شياطين ) الأفلام