الدعوة

إغترب التفكير أو الدعوة إلى التفكير في هذا العصر و أنفتح في أوج الحضارة الإسلامية و جنى الأقدمون ثمار الإنفتاح الفكري و الثقافي و قادوا العالم علمياً و إقتصادياً و سياسياً فكانت بلاد الشرق مقصد العلوم و كل طالب عمل و مال ...

قام الغرب بطمس هذه الحقبة و أسموها عصر الظلام - Dark Age - و عمموا هذا على مختلف أنحاء المعمورة تناسوا و حاولوا طمس الحقيقة عن أن هذا العصر كان يغلف سمائهم هم وليس سماء بلاد الشرق التي نعمت في العلم و العلوم و باتت مقصداً و مكة العلم في كل أنحاء العالم ...

لست بصدد إسترداد أمجاد غابرة بل بصدد قول الحقيقة المجردة فأجدادنا و الذين نحن من أصلابهم نحمل تركيبتهم الثورية التي تفاجيء نفسها دوماً، كانوا على علم بما ينبغي أن يُفعل عن ما لا ينبغي قمعه في المجتمع ...

جاء القرأن الكريم حاملاً لهذا المنهج قاصداً تنحية أي تخصيص عن جماعة أو فئة معينة تحتكر علومه و فهمه و كانت كل أياته في هذا الشأن عامة و مطلقة دليلاً على علمانية الرسالة ( علمانية هنا بمعنى أنفتاحها ) و أنها لكل البشر في كل زمان و مكان ...

تكلمت كثيراً عن هذا و مازلت أتكلم و سأزل إلى أن أقضي نحبي فلأني مؤمن بهذا أجهر به، و من راجعوا شروحاتي عن بعض أيات القرأن الكريم يعلمون المنهج الذي أسير دربه، فهذا المنهج يا أخوتي منبعه هو أيات دعتني لهذا كما دعتكم أنتم و من بين هذه الأيات الكريمات :

سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) فُصلت

يقول الله تعالى في بداية الأيه " سنريهم " و حرف السين ( س ) هنا دلالة مستقبلة قائمة لا تزول و الفعل سنريهم لا يرتبط بزمن ولا يتزمن فيقفز الفعل فوق التزمن و يصبح مهيمن على العصور، ثم يقول " أيتنا في الأفاق " و هنا الفعل جعل من الأيات مفعول بها فحملها معه في رباط تعالى عن التزمن فوضح أن أيات الله سبحانه و تعالى هي أيضاً تتعالى على الزمان و تهيمن عليه ثم إنه أستطرد بلفظ الأفاق دليل مؤكد و تأكيد على التصاعد في التبيين أي أن تبيين هذه الأيات لا يقتصر على عصر أو زمن ولا يقف عن التصاعد في التبيين فيتبين لنا معشر المُتَحَدَث إليهم أننا كلما أجتزنا أفق جائنا فيه تبيان لأيات الله سبحانه و تعالى ...

ثم قال " و في أنفسهم " فعطف التسلسل التبييني التصاعدي بحرف الواو ( و ) على التبيين في النفس أيضاً مما له دلاله على أن أنفسنا هي الأخرى لم نلم بها و نحيط بها علماً و مازلنا في إستكشافها مجتهدون، فالربط بين الأفاق و الأنفس هنا ربط مُلزم و المعادلة تأخذنا إلى أن الأفاق و العلم و النفس تتعالى على الأزمان و نفهمها بشكل تصاعدياً ...

ثم يقطع الله الشق الأول من الأية أو المعادلة الفلسفية الرائعة القوام فيثبتها رياضياً بإذن و يقول ( حتى ) و كلمة حتى هنا هي التتويج أي مرسى أفلاك أجتهادنا و الوصول للمنتهى و لكي لا يكون المنتهى ضبابياً و غير معروف أفاد الله سبحانه و تعالى بهذا المنتهى بأنه ( التبيين بأنه الحق ) " حتى يتبين لهم أنه الحق " و جاء التتويج هنا بعد هذه المعادلة الفلسفية الرياضية الرائعة و المحكمة القوام بالوصول إلى الحق و الحق هنا المقصود به الإيمان بالله و لو تتبعت الأيات السالفة لتجد أن الله أيضاً يخاطب القوم أو الذي لا يؤمن ( راجع سورة فصلت من حيث الأية 45 ) فالفحوى هنا هو الوصول إلى الحق و هو الله سبحانه و تعالى و هو مرسى الإيمان و خاطب الذين لا يؤمنون بالله و بأياته بدليلاً من عندهم ألا و هو العلم التصاعدي - الأفاق - و أنفسهم .

ثم روعة التتويج تأتي في نهاية الأيه أو الشق الأخير و هو الشق الثالث حينما يقول الحق سبحانه و تعالى " أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد "

و هذا هو يا أخوتي الإيمان الفطري الذي خُلقنا به أننا أو أغلبيتنا نؤمن بالله دون دليل، لذلك الشق الثالث هنا يخاطب المؤمن أكثر من المتشكك و يلمس قلبه و عقلة و جوارحه فنقول ونعم بالله .

هذا الذي قدمت في هذه المقال يحتمل الخطأ كمثلما يحتمل الصواب ولا أدعي لنفسي علم أو موهبة بل إني أمتثل لأمر الله تعالى بالبحث و التفكير في أياته كما ذكرت و شرحت عن الأية رقم 53 من سورة فصلت .

أيضاً هذه سلسلة أربطها مع نظريتي ( ديناماكية و توازن النص القرأني - الإستقراء البعدي في نصوص القرأن ) ( قدمت من قبل عنهما )

لا أريد من بعض الناس أن يفهموا دعوتي هذه على تنحية كتب التراث في التفاسير و لكن النص القرأني يعلو عليها جميعاً و لابد لنا أن نمتثل لما جاء في القرأن على ما جاء من بين أفواه الذين يريدون إحتكار علوم القرأن أو الدين ككل . هي دعوة للعمل فنحن الأن في عصر جديد ...

تحياتي

إسلام أبو بكر

21 / 2 / 2011