يصلي بأخلاقِ عَفنة، لا يصلي بأخلاقِ طيبة، من أنت ؟ الدين و الضمير

تباعاً لمسلسل الأسئِلة المُعضَلية و التي تُسبب للبعض منا حالة شوشرة تفكيرية ترقى في البعض إلى شوشرة دينية، أستمر في رصدها و أحاول جاهداً أن أُدلي بما أجتهدت من أطروحات أجدها قد تخلق مجالاً لمناقشات أشارككم إياها ..

كيف؟، كيف نرصد عدم تزاوج الضمير بالدين، كيف نربط بين اللحية و صفاقة الخُلق لأحدهم، كيف يكون لمن دون المسلم أو للمسلم الغير ملتزم بالواجبات الشرعية يكون له خلق و على خلق يقارع به من لا يفوت فرضاً !

أتكلم عن نوعية من البشر تكسر القاعدة داخل تحليلاتنا المنطقية لمن هو " متدين " و كيف نحن نرصد بالضرورة هذا الفلان الــ " متدين " لابد له من ان يكون على خلق .

أعي يا أعزائي أن أطروحتي اليوم قد تكون للبعض و أقولها للبعض ( ليست بجديدة ) لإن منكم من هو على دراية كافية بهذه الأمور .
و لنِلج لموضوعنا اليوم سريعاً - "الدين و الضمير"

بداية هناك أساسيات من الضروري أن نعلقها في شحمة أذاننا كما يقولون .. و هو أن على سبيل المثال و سوف أأتي بدلائلي من القرأن كوني مسلم و أختص المسلمون هنا غير أن من رأى أن يعمم القول أو الأطروحات هذه على باقي الأديان فصدقوني لن يكون هناك فارق أبداً و لذلك سأسلك طريق القرأن و نقول ... أن الله سبحانه و تعالى فرض ناموساً بيناً في التفرقة بين الدين أي الواجبات الشرعية و الضمير أي الأخلاق في المرحلة الأولية فقط حيث سيمتزج و سيتزاوج النجدين و يخلقون إنساناً حكيماً و لنقرأ معاً أيات القرأن الكريم في هذا الفصل التبييني بين الدين و الضمير و لنبداً من أعلى و من أكرم خلق الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول ربنا تبارك و تعالى فيه .
" وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ "
نعلم جميعاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُلقب بالصادِق الأمين قبل أن يأتيه الوحي و يُحمله مسؤلية الرسالة و ما لقبوه بهذا اللقب إلا تتويجاً لأخلاقه و مواقفه و تعاملاته مع الناس و أُشدد على كلمة تعاملاته مع الناس هذه .

و في موضع أخر من حديث قال صلى الله عليه وسلم " أدبني ربي فأحسن تأديبي " - ملحوظة: قد يعترض البعض على إسناد هذا الحديث على حسب مرجعيته في علوم الحديث ...

و قد جلبت لكم هذا المثال لأُثبت بأن قبل أن يستقبل الرسول صلى الله عليه وسلم الرسالة و التي تضمن الدين من أحكام شرعية و غيرها نحن الأن على نهجها بإذن الله، كان محمداً ذو فضل و دمس الخلق بشهادة جميع من حوله .

إذن الدين هنا بشكل مبدأي منفصل عن الأخلاق و ما كان لنبياً يأتيه الله رسالته إلا إذا كان على خلق و هذا ناموساً إلهياً و ليتحمل الدين لابد له من أساس و أعمدة متينة تحمله و هو الأخلاق فهنا المثال و حياة المصطفى تحيلنا إلى أن الأخلاق تأتي أولاً و دعوني أًفصل شيئاً مهماً هنا ألا و هو أن الأخلاق هي تعاملاتنا بين أنفسنا و بين من حولنا و الدين هي تعاملاتنا بين أنفسنا و ربنا سبحانه و تعالى و يأتي من بعد التلميح و الإثبات و الأحالة في النص القرأني إلى وجود إثبات الأخلاق عن طريق الدين و وجوب تزكيتها بالدين و أن من كانت أخلاقه دمسه في الأصل كان أرضاً خصباً لإستقبال الدين و العمل بأحكامه و السير نهجه .

الفرق بين النبي و الرسول ...
قبل تبيين الفرق بين النبي و الرسول وددت أن أُنشيء تتابع منطقي في فصل الأدلة على هذا . فقبل مرحلة النبوة تأتي أولاً مرحلة الأخلاق و يكون القياس المنطقي هو، قد يكون كُلنا على خُلق و لكن ليس كُلنا نبياً و بالضرورة ليس كل نبياً رسولاً " لمن يتذكر القياس الأرسطي "

إذن فهي علاقة الكل بالبعض و لإن إنشقاق الكل من البعض بالتتابع لابد لي من ذكر ما قبل مرحلة النبوة و هي التدرج الأخلاقي و النبوة هي ذروة هذا التدرج و يحين بعدها الفصل في إرسال الوحي لترقية النبي إلى رسول كمكتوبِ في لوحِ محفوظ ...

و لإن شئنا أدلة لنرى جميع الأنبياء و لن أذكر جميعهم هنا بل سأذكر بعضهم فالله قبل أن يأتي لأحدهم النبوة يدخلهم مدرسة الأخلاق و سنلاحظ أن أغلبهم مروا على فصل في هذه المدرسة و هو تربية الأغنام أي أنه يعمل راعياً و تلاحظون في هذا أن لهذه المهنة أثراً على تذكية الأخلاق فالممتهن يختلط بنوعاً من الحيوانات يدرب به نفسه معها على الصبر و الحِلم غير أن تربية الأغنام تكون غالباً في بيئة صحراوية و وقع هذه البيئة من تأمل و هدوء نفسي طوال الوقت يعطي المجال لتذكية كل مقومات التدرج الأخلاقي من صبر و حِلم و عفو و لن أحصر أنبياء لله دخلوا هذا الفصل الرباني من مدرسة الأخلاق الربانية قبل التخرج إلى النبوة و من ثم إصطفاء منهم أن يكون رسولاً و هنا أذكر سيدنا محمد، سيدنا إبراهيم، سيدنا موسى، سيدنا عيسى عليهم الصلاة و السلام و هذا ما أسعفتني به ذاكرتي ولم يكن بصدد الحصر

فهذا دليل أخر على فصل الدين عن الأخلاق و لكن الدين يذكي الأخلاق و من يلتزم بنصوصه حق إلتزامه و قد أُتي قدراً قليلاً من الأخلاق فيبني له دينه ما نقصه منها " هذا و لم يلتزم به أغلب المتدينون " ، لأنهم لا يودون إلا الإلتزام بالمعاني الحرفية بالواجبات الشرعية و يختزلون الدين عندها فقط ولا ينهمكون فحصاً عن ما وراء النص من حِكم أشد و أمد خيراً حتى من الأحكام الشرعية لأنها هي أصل الأحكام الشرعية ..

أخوتي .
بكل الأسى و الحزن أخالط هذا النوع من البشر كثيراً و وجدتني أتسائل كيف على غرته الزبيبة و لحيته تطال الأرض ولا يكن في داخله ضمير ولا يعني للمعاملات الإنسانية أي معنى أو موضع

تفكرت في هذا و و جدتني أجيب عليها بضرورة فصل الدين عن الضمير بالشكل المبدأي و بضرورة فرض نظرية أن هؤلاء لا يلتزمون حقاً بروح النص و يتركونه لاهثين وراء إلتزام حرفي يقودهم إلى جنتهم حتى و لو على حساب معاملاتهم مع الناس و يلبسون الحق بالباطل قاصدين الإقتصار على أنهم إذا أرضوا ربهم فالدنيا من ورائهم زوال ، تناسوا و نسيوا عن أن أوامر ربهم هي التعايش و المعاملة و الرحمة و الضمير الحي اليقظ بينهم و بين بعض بإختلاف مللهم و ألوانهم و طبقاتهم .

لنعيد قراءة النص من جديد إنطلاقاً من هذا الروح مستمدين من النص روح الدين لا نصه الحرفي و إني لا أنكره و لكني أٌنكر وجوب تنفيذه دون الأخلاق و لتعلم يا من قد تنطبق عليك بعض تلك الصفات أن الله لم يخلقك وحيداً في دنيا تركع و تسجد له بل أجرك بخمس و عشرين درجة عند صلاة الجماعة، ألا إن لنا في رسولنا إسوة حسنة فأتبعوا روح إسوته الحسنة و أقروا الشريعة من هذا المنطلق

تحياتي
إسلام أبو بكر
22 / 3 / 2001

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا نخاف من الله، هل الله مخيف؟!

الله لا يمكن أن يغير قوله لما يعتقدون بأنه يمكن

مسرحية الشيطان الهزلية المشهد الثاني ( ملائكة و شياطين ) الأفلام