المسيح هل صُلب؟، إقرار قرآني بحقيقة أخرى .


بدأت جلسة أمس وسط حضور المدعوين لمناظرة اليوم بين رجل دين إسلامي تقليدي و مفكر إسلامي تقدمي تنويري، جلست في الصف الأول و قد كنت أول اللذين وصلوا لحضور هذه المناظرة المرتقبة إصطحبت معي مذكرتي و قلمي اللذان لا أذهب مكاناً بدونهما و جلست أتذكر كيف جائتني الدعوة لحضور هذه المناظرة و كيف أن الدعوة بالإسم و ليست عامة .. ليس لسبب أطروحات الطارحين و لكن لإقتصار مثل هذه المناظرات على العمل البحثي .. فقبل أسبوعاً من الأن جائني بريد إلكتروني من صديق لي و هو أحد منظمي هذه المناظرة يدعوني بشكل رسمي لحضور هذه المناظرة .. في أخر البريد الإلكتروني .. هندم أسماء المناظرين فرجل الدين الإسلامي التقليدي مشهوراً جداً و قد يبهر أسمه أناساً غيري غير أن في ميدان البحث هو أكبر غلطه أن تنبهر بشيء فكل تلك المشاعر الهشة تتركها خارج مضمار السباق و إلا إعتبرت نفسك فرساً كثير النُكب و لن تظفر بشيء بالنهاية ..

نصف ساعة مرت علي و أنا أتخيل ما قد ينتج من هذه المناظرة ... موضوعها ساخن للغاية .. و لقد تربينا على يقين به .. أن المسيح لم يصلب و لم يقتل بل شبهه لهم ..
قالوا لنا عدة أقاويل منها أنه قد تم إلقاء الشبه على أحد الأتباع الخائنين للسيد المسيح و هو يهوذا
و قالوا أنهم فقط إلتبس عليهم الأمر في أنهم قد أمسكوا أحد العصاه .

أنا لم أتقبل الرأي الثاني و وجدت الرأي الأول مناسب لأن لا يمكن أن يعاقب أحد العصاه هكذا بدون أن يرتكب الجريمة بعينها
و رأيت أن يهوذا قد يكون من العدل أن يأخذ مكان المسيح في الصلب و القتل لأنه خائن ..

هكذا بكل بساطة كانت هذه هي أرضية رأيي قبل أن أعيد التفكير فيها من جديد بعد هذه المناظرة ...
ألتفت خلفي فرأيت الناس قد أتوا و ألتفت لضوضائهم و أبتسمت فأدرت وجهي للأمام و مع إدراة وجهي رأيت شاباً يقول لي السلام عليكم فرددت السلام و قام بالجلوس جانبي .. و بدأ دخول المتناظرين

بعد الترحيب و الترحاب و التقديم و المقدمات بدأ رجل الدين التقليدي بشرح أو إعادة شرح المنظور الإسلامي لصلب المسيح .. بالطبع قال ما يعرفه الكثيرون و أنا منهم .. لم أشاء تدوين أي شيء قد شد إنتباهي من كلامه فكلامه هو المعروف ولا جديد فيه ..
و بعد إنتهائه .. طلب منظم اللقاء أن يقوم المفكر الإسلامي بالدخول بأطروحته و له نصف ساعة قبل أن ينقل الميكرفون إلى رجل الدين مرة أخرى إما للرد أو للإكمال ..

بدأ المفكر الإسلامي بقول الأتي :
السلام عليكم الحضور الكرام .
سوف أطلب من منظم المناظرة طلب إستثنائي في مثل هذه الحالات و هي أن أقوم بإدخال مناظري الكريم معي في النقاش في وقتي و أنا أثق بتطلعي في عدم العصبية الفكرية و أن يكون النقاش تبادلي بدون حجر أو جرح

أومأ المنظم برأسه إيجاباً و قام بسؤال رجل الدين عن رأيه فوافق و أخذ الميكرفون و قال :
رجل الدين : بداية، أشكرك و أعتب عليك أن تقوم برفض فكرة أن أكون متعصباً فكرياً و مع ذلك تطرحها في محل الوجود.
المفكر الإسلامي : معذرة لم أقصد و أرجو أن تغفر لي ذلتي .
رجل الدين : لا عليك، و الأن معك المبادرة تفضل كلنا أذان صاغية.
المفكر الإسلامي : أود سؤالك أولاً عن أصل الإعتقاد بفرضية إسقاط الشبهه على يهوذا ؟
رجل الدين: لورود لفظة شبهه لهم و وجدودها يحتمل هذا الطرح!
المفكر الإسلامي: إذن فهو ليس يقين ؟
رجل الدين: نعم ليس يقين و إنما اليقين أنه لم يصلب و لم يقتل و من بعد يحتمل النص التأويل و لكن عندنا عماد التأويل بعدم صلبه و عدم قتله .
المفكر الإسلامي: و ما رأيك أن القرأن الكريم في هذه الأيه حصراً يحمل تأويل بأنه من الممكن ان يكون قد وضع على الصليب فعلاً ؟
رجل الدين: كيف ؟!
المفكر الإسلامي: لفظة وما صلبوه .
رجل الدين: المعنى واضح ماذا ترى غير ذلك ؟
المفكر الإسلامي: سأصطحبك بعيداً عن هذا بمثال .. ترى أن أختلقنا قصة خيالية الأن كوضع مثال إسقاطي على ما أود الذهاب إليه و هي أن هناك جماعة مثلاُ أرادوا أن يقتلوا شخصاً ما لسبب ما و قاموا بإغراقه و قد قتلوه غرقاً فماذا يسمى المقتول في هذه الحالة ؟
رجل الدين: غريق!
المفكر الإسلامي: و لو نجى من الموت غرقاً هل يسمى حينها غريق ؟
رجل الدين: بالطبع لا فهو نجى من الغرق فلا يسمى غريق .
المفكر الإسلامي: كذلك المحروق و الغريق و المنتحر و غيرها من الصفات، أي أن لا ينبغي إسقاط و إلحاق الصفة إلا بالموصوف حينما تتجلى فيه الصفة مائة بالمائة .
رجل الدين: أكمل أنا أسمعك
المفكر الإسلامي: لفظة و ما صلبوه أي أنه لم يمت أو لم يقتل على الصليب و لكن شبهه لهم بأنه مات على الصليب، و إذا أردنا الإنحياز لأي التأويلات ينبغي علينا أن نرى اللفظة من منظور اللغة العربية كما قال ربنا سبحانه و تعالى إنا أنزلناه قرأناً عربياً
و عربياً هنا تأتي بمعنيين كما في بحثي، الأول بمعنى اللغة و الثاني بمعنى أصل جذر لغوي عرب و هي لفظة تعني عدم وجود شائبة في الموصوف بعربي كما في قوله سبحانه و تعالى .. عرباً أتراباً و عرباً هنا أي غير ذي عوج .
و رجوعاً لموضوعنا بإسقاط الفهم نجد أن كلمة الصلب في اللغة العربية تعني الموت على الصليب أو بواسطة الصليب نظيرتها كالحرق أي الموت بالحرق، الغرق أي الموت بالغرق و هكذا
رجل الدين الإسلامي: هل تعني بهذا أن المسيح وضع على الصليب و لكنه لم يمت عليه ؟!
المفكر الإسلامي: نعم بطلاقة فالله تعالى يقول هذا و ما صلبوه و ما قتلوه أي لم يصلب أي لم يقتل بواسطة الصلب و ما قتلوه أي لم يقتل بأي وسيلة أخرى كرمح القدر .
رجل الدين : ما هو رمح القدر ؟
المفكر الإسلامي: رمح القدر هو ما غرزوه في جسد المسيح بعد صلبه بعدة ساعات طويلة و نزف دماً، و هذا إن صحت رواية رمح القدر من المنظور المسيحي فيثبت ما نذهب إليه بأنهم لم يصلبوه بالفعل لأنه لو مات على الصليب كان ينبغي أن يتجلط الدم في عروقه و لكن بعد غرز رمح القدر في جسدة نذف الدم سائلاً و هذا يضحد موته .
و تأتي البينات بين أيدينا حين يخبرنا المولى سبحانه و تعالى برفع المسيح إليه بقوله تعالى " إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ "

و إذا أخذنا بالمنظور المسيحي بأنه قام من بين الأموات بعد ثلاثة أيام و أنت تعلم بأن ليس كل ما في كتب أهل الكتاب محرفاً و لكن يتم القياس بمدى توافق ما ورد مع أيات القرأن الكريم فلقد قال لتلاميذه بأنه سيقوم من بين الأموات بعد ثلاثة أيام .. أي أنه قال لهم هذا قبل صلبه بموجب معرفة هذا من الله حينما خاطبه بأنه سيرفع إليه و لم يكن للمسيح بالإطلاع على الغيب بل أن الله أعلمه برفعه إليه .

نأتي هنا لشيء أخر، هل يتحمل أي إنسان كل ما تحمله المسيح إذ أخذنا بهذا الطرح ؟
عندي على هذا إجابة إذا كنا سنتحتج بهذه الحجة على طرحي ...
و هو أن جسد المسيح ليس مثل أجسادنا فهو جسد فريد من نوعه .. تهيأت أمه السيدة مريم العذراء له بمائدة من السماء كان يدخل عليها زكريا عليه السلام و يسألها من أين لها بهذا الطعام فتقول هو من عند الله، لم يأتي بالتلقيح الإعتيادي و حتى مجهرياً فبويضة الأم تحمل نصف المادة الوراثية و الأب النصف الأخر كي يتكون الجسم الجديد و لكن المسيح لم يمر وجود جسده الفريد على خط الإنتاج التقليدي هذا .. ألا يعقل حينها أن تكون وفاته ليس كوفاة باقي البشر كما مولده ليس كمولد باقي البشر ..

فرغ المفكر الإسلامي من دلوه و لم ينطق الحضور و معهم رجل الدين ببنت شفة من حديث بل خيم الصمت
و بعد برهة سمعنا صوتاً يندد بالطرح أتي من خلف القاعة. أصواتاص تعلوا - ما يقوله هذا الرجل هو هدم الدين لتمرير المنظور المسيحي في العقيدة .. خسئت.
ما لبثنا أن حركت داخلنا ركود الهدوء و الإصغاء حتى أتت رياح التعصب و الصياح لافحة وجوهنا، هممت بالرحيل و ما إن قمت حتى أحسست بقبضة قوية على معصمي، إنه الشخص الجالس بجانبي قال

- معذرة، ما رأيك ؟
- لم أدرس الموضوع بعد، و ماذا عنك؟
- لي رأي سأقوله و أذهب

رفع يده طالباً الكلام فؤذن له فقال :
أرى أن طرح المفكر الإسلامي لغوي، و إذا أردنا أن نحتج عليه فعلينا بما ينتهج بحجة اللغة ... و أنا أرى أن القرأن حمال أوجه كما قال الإمام علي .. و أرى أن هذا كله ينطوي به قوله تعالى ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ..

إنتهت الجلسة بعد ساعة تقريباً و لم يكن أن تنتهي باكراً هكذا و لكن جلبة المكان أحكمت قبضتها
حزنت على الوضع فكيف لأناس محسوبين بالفرد بعثت إليهم دعوة حصرية و هم بالفرضية باحثون .. أن يكونوا متعصبون فكرياً فما هو الذي تركوه لغيرهم ؟!

شكرت بداخلي رجل الدين و المفكر الإسلامي .. و لكني شكرت أكثر هذا الشخص الذي بجانبي و قد أجهرت بهذا له .. و فصلت قناعتي عنه بأنه أحاط مناط التأويل و جوهره أن مسألة صلب المسيح تدرجت من خلاف بين الإسلام و المسيحية لتكون خلاف و إختلاف بين التأويلات المختلفة من المنظور الإسلامي لمسألة صلب المسيح .. و سيكون الإختلاف قائم حتى يحكم الله في النهاية بين الطرفان و الطرفان هنا سواء مسيحي اسلامي او حتى اختلاف في المنظور ذاته، و يبقى أن أقول أن القرأن فعلا حمال أوجه و لكنه يحمل أوجه الحق .. و مثلاً على هذا مسألة الصلب فإذا اعتقدنا لسنوات بانه لم يوضع على الصليب و جئنا بإعتقاد جديد الأن بأنه وضع على الصليب و لم يمت .. لن يكون هناك فرقاً قد يحدث زعزعة إيمانية .. بل إن النتيجة واحدة و هو أن المسيح لم يمت على الصليب سواء وضع عليه او لا .. و بالتالي لم يكفر عن الخطيئة الأولى المزعومة في المنظور المسيحي .. و الله من وراء القصد

=================
القصة خيالية
=================

تحياتي
إسلام أبو بكر
25/09/2011
القاهرة - مصر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا نخاف من الله، هل الله مخيف؟!

الله لا يمكن أن يغير قوله لما يعتقدون بأنه يمكن

مسرحية الشيطان الهزلية المشهد الثاني ( ملائكة و شياطين ) الأفلام