إبن الشيطــــــان، الحلقة الاولى

في السابع من مارس أذار لسنة 1995 عكف المحقق مفيد شوقي في كتابة سطوره الاخيرة و هو راقداً مُضطجعاً على ظهره في مستشفى موته و قد انقضى الوقت الى الساعة الثانية بعد منتصف الليل ... في تلك اللحظات كان يعرف ان امامه من الوقت ما بقى قليل كي يوثق ما حدث من الحقيقة لعل احدهم يجدها و يصدقه و يعمل على كشف ملابسات الحادث ... قبل الشروع في الكتابة اخذ يفكر هل سيصدقني احد ماذا ان عرفوا انها لحظاتي الاخيرة ؟ هل منهم من سوف يدخل في قلبة الشك في صدقي و انا ادلي بأخر حديث لي في هذه الدنيا ... سأقول لهم اني في الصباح سأصير جثة يدخلونها المشرحة ليتأكدوا من زعمي او صدقي ... سأقول لهم اني اعرف اني سأموت الليلة و اني اكتب الصدق بلا داعي للكذب فلم يعد لي في هذه الدنيا شيئا اتكسبه من كذبة ما .... بدأ المحقق و يداه ترتجف من لفحة الصقيع الازرق الذي اغشى اعينه باقتراب الموت .. بدأ يرصد أفتتاحية لما سيكتب محاولاً فرض طابع جاد بإصرار في البداية فكتب و قال : " لأي مدى سيصدقني واجد هذه الكلمات، أكنت تعرفني و تعرف مدى كنت جاداً لا اتخاذل في إظهار الجد في طبعي و هيئتي هذا ما أهلني كي أصبح محققاً مشهوراً في جهاز الشرطة و سبقت الكثير كانوا لي انداداً الى ان بات الفرق بيني و بينهم على مدى اتساع الفارق بين العمليات التي أًكلف بها و بين ما يكلفون ... إن اردت معرفتي ستعرف انني لم افتعل من قبل احداثا غير حقيقية كي اتشدق منها مصلحة ما " ترك القلم و أخذ يفكر في حيرة ، هل كان في ضرورة من أمره ليكتب هذا عن نفسه ام ان اسمه البلوري و سمعته المشمسة بين زملائه كانا كافيين .... ؟ تغاضى عن ما تبادر الى ذهنة و بدأ يروي الاحداث ...

" الصفحة الاولى "
حين استدعاني اللواء سعيد ابو النجا في مكتبه وجدته للمرة الاولى شارد الذهن حتى انه لم يلاحظ انني جلست امامة اكثر من ثلاثون ثانية الا حين اصدرت صوتاً من فمي " كحة خفيفة " فأنتبه ... لم يلقي علي السلام كالعادة و لم يسألني عن احوالي فهو يعتبرني إحدى المقربون من الكوادر الى القيادات في الداخلية ... بادرني بسؤال و أجبت عليه و اخذ بنا الاسترسال ....

- هل تعرف منطقة المقطم جيداً ؟
- نعم الى حد ما.
- هناك منطقة قرب مجمع سكني جديد و مشروع تم إيقافه الان إسم هذا المشروع " ..... " هل تعرفه ؟
- نعم أعرفه بالطبع .
- هل تعرف لما تم إيقاف هذا المشروع هناك ؟
- سمعت انبائاً عن ان القشرة الارضية غير مستقرة إبان أحداث وقوع الصخور في منطقة منشأة ناصر .

- لا هذا غير صحيح ناهيك عن ان المنطقة المتضررة بعيدة عن المشروع كثيراً جداً
- إذن لما يا فندم تم ايقاف المشروع ؟

رفع اللواء سعيد سماعه الهاتف و طلب من مدير مكتبه عدم السماح باي من المكالمات او الاشخاص للوصول اليه الا القيادات العليا فقط ثم التفت الي و قال :
" إسمع ما سوف اقوله لك جيداً و قبلاً أريدك ان تصدق لان ما سوف احكيه لك تأكدت منه بنفسي ...
"

*****

لم يكد يصل البيت المهندس سالم الجبالي حتى احست زوجته هذا الاحساس المحبب الى نفسها بانه اقترب من باب شقتهما، يقولون ان المرأه في أشهر حملها يكون مزاجها متقلباً و يطغى احساسا بعدم الارتياح بينها و بين زوجها و لكن منى زوجة المهندس سالم لم يبد لها هذا الاحساس و لو لبرهة من لحظة زمن حيث كان احساسا مغاير تماماً و بدت تشتاق لقدومه أكثر من قبل أشهر الحمل، ...
لقد مكثوا من قبل الحمل فيما يقرب من الثلاث سنوات فاقدين الامل تماماً بأن يصبحوا عائلة اكثر من فردين و تعنت الاطباء و كثر عددهم في ان الحمل بات مستحيلاً و لكن المستحيل قد حدث و هي حامل في الشهر الثامن الا ايام ...
يقطنون في عمارة على الشارع الرئيسي بالمقطم و هم من اوائل الناس الذين قطنوا المقطم حيث ان العائلتين جائوا الى المقطم في سبعينيات القرن الماضي.
عند إحساس منى بدخول زوجها الشقة بدت فرحة تارة نشوة بصدق إحساسها و تارة اخرى لمجيئه السار و ما إن دخل نظرت اليه و قالت :

- سالم!، للنظرة الاولى استطيع قراءة الف كتاب من على صفحة وجهك، ما بك ؟
- لا شيء

هكذا انهى كلامه بكلمتين خرجا من حلق بارد ممزوج بطرقات من أسئلة تصفع ذهن زوجته عما حدث له من سوء فدخلت عليه غرفته و وجدته يغير ملابسه فبادرته و قالت: - كيف لا شيء، كإنما على رأسك الطير ؟

- لا شيء يا منى ... لا شيء

- تعرفني لا استسلم لهذا بسهولة إما ان تتخلص مني او انك تتخلص من سؤالي بإجابة ارضاها و تطمئني


نظر اليها رافعاً وجهه و من عينية بدرت نظرات غريبة اوجست قلب زوجته ..
لم يرد إلتزم الصمت و بات المحيط من حولهما بارداً صامتاً


*****

أخرج اللواء سعيد سيجارة من درج مكتب امامه و شرع في إشعالها و قال :

- مفيد، أنت تعلم اني صرت حياتي لا أصدق خزعبلاً واحداً
- نعم اعرف و لكن ماذا تقصد بخزعبلاً ؟
- أي من الترهات التي تتقاذف حولنا من عفاريت و غيرها
- نعم نعم
- ولم اصادف طوال مسيرة خدمتي قضية ما إن شابهها هذه الاشياء الا و إنكشف نصاب هنا او مشعوذ هناك
- هذا ما اعتدنا عليه حتى اننا صرنا نتكهن بأين سنجده في القضية حين يفوح امرا من هذا منها
- نعم و هذا دأب من كان ذهنة حاضراً يقصد العمل لا الهوى
- اوجستني يا فندم ما الموضوع بالظبط
- لعلني لست في حاجة لاقول لك هذا و لكني احسست لوهلة اني اصطدم بمنطق عقلي اولاً فبادرت بهذه البداية
- لا عليك سيدي انت منزهة عن هذا
- اشكرك و الان إستمع جيداً، منذ شهرين جائتني مكالمة من زوجتي تتحدث بها عن ان جارتها تحكي لها اشياء منذ اسبوع تقريباً عن ما بدر من زوجها من افعال أخافتها و قالت ان الموضوع ليس له علاقة بالشرطة اي لا داعي لشيء من الخوف الا ان زوجتي اصرت على انها تستطيع ان تتكهن بحدوث السوء فضلاً عن انها كونها زوجتي صارت تحفظ عن ظهر قلب متى تبدأ المصيبة فخانت امانتها لما وضعته جارتها منى في قلبها من سر و أفشته لي و هي في ندم من ذلك و لكن كانت دائمة التبرير بان هذا لمصلحتها ...
كنت ذلك الوقت في مأمورية في الخرطوم كما تعلم و أعلمتها بأن تؤجل هذا الحديث حيث اني لم اهتم حين ان ارجع الى القاهرة فسأتني عن ميعاد رجوعي في تلهف فقلت لها على مضض بعد اسبوعان ...
إلى هنا القصة عادية جداً و لكن بعد أسبوعاً واحداً تلقيت اتصالاً من زوجتي و هي منهارة في البكاء و بكلمات متقطعة و نحيب قالت "لقد قُتلت منى جارتي ..."
إعتدل المحقق مفيد في جلسته و قال :

- إذا ربطنا توجس زوجتك في مكالمتها لك من قبل اسبوعاً تعلمك بتكهنها الغير مبرر بالحادثة فتبقى اصابع الاتهام مبدئياً مشارة الى زوجها المهندس سالم !
- هذا ما بدر في ذهني و لكن ...

- لكن ماذا؟


****

نهاية الحلقة الاولى

تحياتي إسلام أبو بكر
11/1/2011

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا نخاف من الله، هل الله مخيف؟!

الله لا يمكن أن يغير قوله لما يعتقدون بأنه يمكن

مسرحية الشيطان الهزلية المشهد الثاني ( ملائكة و شياطين ) الأفلام